انتصار عباس

 

 

القاصة انتصار عبّاس: (عويل الخواتم) تجربة الخواء وسحائب الإحباط

صورة

 

عمان – إبراهيم السواعير – قالت القاصّة انتصار عباس:   سلامٌ على كلّ لمسةٍ أضأتَ بها جسدي؛ وكلّ همسة نورٍ دفّقتَ بها عروقي؛ بل كلّ قبلةٍ ما زالت تحوم حول شفتي؛ تباركني؛ فكم من لقاءاتٍ يحتاج حزنيَ الذي تشابكت أغصانه، وعرّشت عندي حتى ملأت عليّ روحي؛ فيا ذاك: ليتني كنت شجرةً في ظلّ دارك؛ تقلّمني أصابعك؛ وقد أثمرتُ كلّ الفصول؛ ويا ذاك: ليت هدأة الريح تحملك إليّ قمصاناً؛ بل ليت الزمان يعيدني إلى رحم أمّي؛ فأسقط دحنوناً على طرقات دربك؛ ويا ذاك: ليتني أنساني، وأعود   بترا  ؛ الطفلة، إلى أبي الحارث  .
تقتنص عباس من العناوين ما يوحي، ومن الموضوعات ما يخدم   جوانيتها   القصصية   عويل الخواتم  ؛ وقد كانت كتبت من قبل:  للشمس جنونٌ آخر  ، و   حلوى الماء  .
وتختمر القاصة مشرفة المخيمات الابداعية في وزارة الثقافة ما ملك عليها فؤادها، وسرق منها لبّها في كلّ   مكانٍ   تأمّلته، أو تحسست تفاصيله في: رم، البترا، وجدارا؛ فتعود في كلّ مخيّم تعيد ترتيب الخيوط، والمفاضلة بين النهايات، واستقدام المزيد من   الحظ   في نقش الحروف، وربما ما ينتمي لغير المألوف؛ حتى استقرّت على العويل؛ الخواتم أعني.
عويل الخواتم   نصوصٌ تمزج ما بين الشعر والنثر؛ ترغب عبّاس بخوضها؛ متخذةً من فنتازيا التاريخ المغموس بالوجدان ما تبثه؛ ولا يؤلم عبّاساً غير التقسيم الجندريّ للذكر، والأنثى؛ الذي تتوق لاستبداله بالرجل والمرأة؛ وفي العويل: رجلٌ لا يفطن إلى عمره إلا والخواء يزأر من داخله، والشيبُ يعلو بمفرقه؛ فيسعى لاستعادة روح والده بخاتمه الذي ترك؛ فيدور على المحلات لتبيّن ما يشبههُ؛ وفي خضمّ البحث يناديه خاتمٌ مرهونٌ للنساء؛ فيفرح به، علّها تتقبّله، ولكنّ    شكراً   الباردة تؤجج ما لديه من جيوش الإحباطات؛ وهو لا يعلم أنها راكمت من الخواتم تسعاً وتسعين؛ فتعاود الرجل سحائبُ الشك، وتحوم على رأسه عصائبٌ من الهمّ: هل بتُّ تعويذةً، أم أنها تخشى من الناس؛ وفيما هو بين هاجسٍ يجيء وآخر يذهب، تكاشف المرأةُ صندوقها وتعيد ترتيب الخواتم، والعويل يصهل: هذا خاتم زياد، وذاك لعلي، وهذا من محمود، و.. وهذا الخاتم المئة!..
ولكن لهذا الخاتم ما ليس لغيره: يتلبّس إصبعها خاتماً زئبقياً تجاذبته الأصابع؛ فتعود إلى البيت: تطيح بكلّ ما عليها عاريةً إلا من جسدها؛ ولما تتعب من فتح الخزانة وإحكامها، تلقي بالجسد الحافي على الأرض تطارده المرآة؛ وتترنح عليه الأسطوانة ذاتها: هذا خاتم زياد، وذاك لعلي، وهذا من محمود، و.. وهذا الخاتم المئة!.. ثم لا تلبث الأصابع أن تختال في الهواء: وهجٌ ما يلبس الإصبع؛ تتحسسه، لا بدّ أنه في الأخرى، والأخرى، يا له من مراوغ؛ ثم تنام ضحكاتها على الأريكة؛ ولا شيء يسكتها غير عويل ذاك الصدئ، القلب… ولكنها تفطن لما لا تحب؛ حين تصحو.  .
وتصطلي صاحبة   حلوى الماء  ، فتمور موراً في ما تسقطه؛ ولا تأبه إلا لكونها جادّةً؛ لا تستعجل الكتابة. وإن بدا تقاربٌ في الوجدان ما بين الثلاث مجموعاتٍ؛ فإنّ عبّاساً تفترق في كلّ عملٍ بأسطورة المكان؛ فـ   ناس   رم يخرجون على هيئاتهم الحجريّة التي ابتليوا بها منذ عاد؛ يسعدون بفرصة التفتيش عن هيئاتٍ جديدة ، و   ذو الشرى   الإله يتلبّس حبيبها   زيدب   النبطيّ؛ حيث:
حمل عكّازه وراح، يجوب أروقة السماء؛ ولما حداه ارتعب، رمى بالعكاز بعيداً، وأضاء أسرجة الوقت، وتدلّى من شرفة السماء؛ ثمّ لبس الجسد الورديّ وهام.. هام في خطى العابرين؛ ينادي: يا بنت رم..يا بنت رم: سقط الإله ذو الشرى صريعاً للهوى؛ يستبيح عيون بترا عطراً وسماءً وتبصيراً؛ يا بنت رم: يا وردية الجيد والعبرات.. يا مليكة الزمكان.. كوني غبطةً.. كوني عبقاً… مطراً… شهوةً للحاضرين.. بل صحوةً للعاشقين… أغنيةً وبيلسان.. يا بنت رم.. أشعلي الأرض بالهوى؛ نقطف عناقيده رملاً: حبّة، حبةً.. صحوةً صحوةً… وأوراقي في العابرين نشوةً، واطيحي بـ  ذو الشرى   إلهاً.. تعالي تعالي.  .
انتصار عبّاس كتبت عن رم: عن ذلك البدويّ الذي يروم الحياةَ بصوته الباعث المدى، وكتبت عن   ذاك الذي يصحو معي كل صباح، وينام، أيضاً، كل مساء؛ ذاك الذي أغلق عيني عليه، يتلحّف ملاءاتي والأغطية، يقلبني يمنةً ويسرةً؛ يعانق مخدّتي، أتكوّر في السرير، أرنو دفأه، أفتح عينيّ، تصطكّ أسناني حنيناً ولوعة… نبكي وسريري في ظلمة الليل، وتدقّ في روحي مسامير الغياب  .

الشجرة

35

رأيان حول “انتصار عباس

  1. مساء الخير ست ميساء انت مبدعة ومتميزه في عطاءك شكرا لك واعتذر ان كان متاخرا فأنا لي فترة لم افتح بسبب السفر والانشغال شكرا لك … ايتها الفنانة الجميله والمتألفة دمتي بالتألق والفرح

    إعجاب

أضف تعليق